الإجابة على سؤال التنمية أو التخلف من البعد السياسي فقط، قصر نظر

د. مصطفى ناجي/

الإجابة على سؤال التنمية أو التخلف من البعد السياسي فقط، قصر نظر

فقد نوقشت مسألة التخلف، أو غياب التنمية، أو معوّقاتها، بإسهاب في أدبيات التنمية، بعد أن قطعت هذه الأدبيات شوطًا طويلًا في التخبط داخل المقاربات الأحادية.

مقالات ذات صلة

كانت الإجابة الشاملة تتلمّس طريقها من خلال محاولة تعريف التخلف باعتباره مسألة معقّدة، متعددة الأبعاد، لا يمكن اختزالها في بُعد واحد.

في البداية، كان البُعد الاقتصادي ونماذج التنمية المرتبطة به هي المسيطرة، ثم تطوّر الأمر على ذات الطريق من العمى، إلى أن وصلنا إلى المقاربة الثقافوية، التي كانت اختزالية هي الأخرى، بل وصلت في بعض تجلياتها إلى حدود العنصرية.

وفي كل الأحوال، ظلّ الغضب والعاطفة حاضرين بقوة في هذه المقاربات أو في الردود عليها.

“لماذا تأخّر اليمن وتقدّم جيرانه؟”

سؤال يستحق الوقوف عليه بجدية، لا بخفة معرفية، ولا بضحالة فكرية، ولا بميغالومانية مريضة أو تهيؤات متضخّمة.

ليس سؤالًا يمكن أن يتصدى له فرد في بداية مشواره العلمي، ولا يمكن لمنصة إعلامية – تشتعل كل يوم بموضوع جديد وتبحث عن ارتفاع في مؤشرات المتابعة – أن تحمله كما ينبغي.

إنه سؤال جاد.

وهو سؤال ينتمي إلى سؤال أوسع: لماذا تقدّم الآخرون وتراجعنا نحن؟

لكن، هل هذا السؤال جديد؟

بالطبع لا.

منذ أكثر من ثلاثة قرون، وهذا السؤال يطرق عقول الجادين والمهتمين.

ومع ذلك، لم تتشكّل إجابة واحدة قاطعة، بل استمر التفكير يدور في حلقة يختلط فيها النقد الهادم بالعاطفة، والدفاع بالإنكار.

طُرح هذا السؤال قبل ثلاثة قرون، وتعدّدت المقاربات التي تناولته.

انشغلت المقاربة السياسية بفحص أسباب التخلف أو معوّقات التنمية، وخلصت – عندما أعملت عقلها بشكل جاد – إلى أن الاستبداد هو السبب الأول. وبهذا، فإن التنمية لا تتحقّق في ظل الاستبداد، بل لا بدّ لها من الحرية كشرط لازم. لذا، كان شكل الحكم السياسي مسألة جوهرية، وكانت الحريات أمرًا لا يمكن التنازل عنه أو القفز عليه.

لكن المقاربة الاجتماعية بدورها التفتت إلى البنية الاجتماعية والثقافية. فكان هناك نقد جاد للتراث الفكري والثقافي، ومحاولات لإعادة النظر في البنية الاجتماعية، خاصة أن القبلية – بما تنطوي عليه من عصبية – اعتُبرت عائقًا أمام بناء الدولة، ومعطّلة لمسار التنمية التي كان يمكن لدولةٍ تقوم على الحرية أن تكون رافعة لها.

ما يُلفت اليوم هو وجود ارتداد عكسي في التفكير، يُؤكّد – بخلاف ما سبق – على أهمية الاستبداد كوسيلة للوصول إلى التنمية، بل يذهب البعض إلى الربط بين الخروج من مأزق التخلف وإعادة دور القبيلة في بناء المجتمع.

فماذا نقول للكواكبي؟

وأين نُخفي وجوهنا من الجابري، وخلدون النقيب، والعروي، وقرم، وغيرهم من عشرات المفكرين؟

يمنيًّا، أين نُخفي وجوهنا من الزبيري، وأنعم، والعطّار، والسنيدار؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى